الجمعة، 28 ديسمبر 2012

كائنات مُتْعَبة



كائنات مُتْعَبة

سطا التعب عليها ونال الإجهاد بعضاً من حيويتها. تباطأت خطواتها، وتخلفت عن أخواتها ومع كل ثانية تمر تتسع المسافة بينهن أكثر ويزيد البعد.
في هجير لا يتحمله حيّ كانت ماضية وأكثر انشغالاً بحالها من أن ترى أمامها، لكن ليس للحد الذي يجمِّد إحساسها، شعرت فجأة بأن الأرض أصبحت أقل قسوة وأن الغيوم انتصرت على الشمس في الأعلى، فرحت بحيث لم تعد تستطيع السير، وحدّثت نفسها أن تتعبأ بالنشاط من جديد بالتوقف والراحة برهة.
إذ ذاك تناهى إلى مسامعها أصوات آدمية، عرفت أنها لمجموعة من الرجال قالت:
- إذن ما ظننته انتصاراً للغيوم ليس سوى ظل، ولكن ظل ماذا؟
أجابت نفسها:
- ربما ظل أحد هذه الأصوات. لا يهم فمطلبي هو قسط من الراحة.
أضافت:
- حسناً يتبقى القليل فقط لنملأ مخزننا، ربما نوبة أو اثنتين أذهبها مع أخواتي وينتهي كل شيء ونقبع في بيوتنا مدة طويلة بعيداً عن هؤلاء البشر، كم أتوق إلى أن نجتمع كلنا نتسامر .. نتمازح .. ونتشارك أكل ما جمعناه وننعم بالدفء والسعادة.
- أجلس. أجلس يا رجل لأكمل ما بدأته لك.
سمعت هذا من أحد الرجال، ولسبب لا تدريه دخلها الخوف، تحركت بسرعة كي تبتعد بحملها، لكن سرعة الإنسان كانت أكبر.
وجلس الرجل ...
أحست وكأن السماء وقعت عليها، وأن الشمس هربت بلا رجعة.
اختنقت من ثقل ما فوقها وأخذت تتحرك بلا هدى في الحيز الضيق حيث وقعت، وفي سواد لا تتبين فيه شيء.
زادت حركة يديها لتتلمس أي شيء يعينها على تحرير باقي جسدها، تطاولت، دفعت بنفسها إلى الأمام، وعندما لم تلمس شيئاً أحست أنه فراغ فانسلت إليه بما تبقى لها من قوة.
إلى ذاك الفراغ يتسلل خيط من الضوء لا يسطع فيه، ولكنه أزال العتمة التي أحاطت بها للحظات.
- مالهم هؤلاء البشر.. لمَ لا ينظرون أسفل منهم، ألا يعرفون أن هناك من يعيش تحتهم؟ يا لعماهم، ويا لقسوة قلوبهم ـ إن وجدت ـ  أين هم من نبي الله "سليمان" عليه السلام؟!
يا ويلي وأنا هنا.. يا ويلي وأنا وحيدة .. بعيدة عن أهلي.. ويا فجيعة أمي التي فقدت بالأمس أختي واليوم أنا .. يا إلهي .. ألن ألتقي بها وبأهلي مرة أخرى؟ هل قدرنا أن نموت كل يوم، بل كل ساعة تحت أقدامهم؟
انشرح الرجل كثيراً مع الضحك لدرجة جعلته يهتز ويتزحزح عن مكانه، وربما يعدِّل من جلسته ويأتي على السنتمتر الذي وقعت فيه النملة لحين وجودها لمخرج أو تكرمه عليها بقيامه.
- كم هو أنانيون أيضاً، حتى هذا الحيز الأصغر من حجم ظفره لا يريد تركه لي، ما الذي حدا بي للوقوف هنا؟ ألم يكن الهجير ألطف من هذا الذي فوقي؟ أين أنتم يا عشيرتي؟ أين أنتم وأن هنا تضيق أنفاسي ويقترب مني الموت؟ ماذا أفعل الآن؟ كيف يمكنني الخروج، أليس ثمة مجال لأخفف هذا الثقل وأتنفس ملء رئتي؟
أخذت تضرب بيديها وشاركتهما رجليها في كل الإتجاهات. كثرت حركة رأسها، علا صراخها، ولا مصغٍ!
يا للسخرية، رغم الهواء الذي يملأ الدنيا فهي تختنق، ولا تجد لها موضع قدم رغم اتساع الأرض!
تلاشت قواها، لم تعد تحتمل أكثر، وبكل لحظات عذابها، بكل غضبها لسعته وبخّت فيه مادتها.
ما إن أبعدت فاها حتى صرخ الرجل وهبَّ واقفاً، غيظ الرجل وغضبه جعله يلاحقها ليدوسها، وكل من معه من الرجال، كانوا بشراً وكانت نملة، كانوا جيشاً وكانت وحيدة متعبة بلا سلاح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق